الأحد، 28 أكتوبر 2012

أهمية موضوع الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم



كان السلف الصالح يرى معرفة الناسخ والمنسوخ شرطا في أهلية المفسر للتفسير والمحدث للحديث، وقد كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، رضي الله عنهم، لا يرضون لأحد أن يتحدث في الدين إلا إذا كان عارفا وعالما بالناسخ والمنسوخ من القرآن وقد جاء في الأثر عن ابن عباس، رضي الله عنهما، بأنه كان يفسر قوله تعالى: ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيرا )  بأن الحكمة معرفة ناسخ القرآن ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه ومقدمه ومؤخره وحلاله وحرامه وأمثاله  .
يقول يحيى بن أكثم التميمي، رحمه الله، وهو أحد عظماء السلف المتوفى سنة 242هـ: (ليس من العلوم كلها علم هو أوجب على العلماء وعلى المتعلمين، وعلى كافة المسلمين من علم ناسخ القرآن ومنسوخه ، لأن الأخذ بناسخه واجب فرضا والعمل به واجب لازم ديانة، والمنسوخ لا يعمل به ولا ينتهي إليه، فالواجب على كل عالم، علم ذلك لئلا يوجب على نفسه وعلى عباد الله أمرا لم يوجبه الله ، أو يضع عنهم فرضا أوجبه الله).
ويقول الإمام ابن حزم الظاهري المتوفى سنة 456هـ : ( لا يحل لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقول في شيء من القرآن والسنة : هذا منسوخ إلا بيقين، لأن الله عز وجل، يقول: وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله )  وقال تعالى: اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم )   فكل ما أنـزل الله في القرآن، وعلى لسان نبيه فرض إتباعه . فمن قال في شيء من ذلك إنه منسوخ، فقد أوجب أن لا يطاع ذلك الأمر وأسقط لزوم إتباعه ، وهذه معصية لله تعالى مجردة، وخلاف مكشوف إلى أن يقوم برهان على صحة قوله، وإلا فهو مفتر مبطل...)  .
ويقول ابن الحصار علي بن محمد الأنصاري المتوفى سنة (611هـ) : (إنما يرجع في النسخ إلى نقل صريح عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أو عن صحابي يقول آية كذا نسخت كذا .
قال : وقد يحكم به عند وجود التعارض المقطوع به مع علم التاريخ ليعرف المتقدم والمتأخر، قال: ولا يعتمد في النسخ قول عوام المفسرين، بل ولا اجتهاد المجتهدين ، من غير نقل صحيح ولا معارضة بينة ، لأن النسخ يتضمن رفع حكم، وإثبات حكم تقرر في عهده، صلى الله عليه وسلم ، والمعتمد فيه النقل والتاريخ ، دون الرأي والاجتهاد، قال: والناس في هذا بين طرفي نقيض فمن قائل: لا يقبل في النسخ أخبار الآحاد العدول. ومن متساهل: يكتفي فيه بقول مفسر أو مجتهد والصواب خلاف قولهما)  .
ولعلنا بهذا نكون قد اطلعنا على صورة صادقة عن خطورة هذا الموضوع وعلى مدى اهتمام العلماء به سلفا وخلفا.
ويأتي من بعدهم عالم معاصر وهو الشيخ عبد العظيم الزرقاني فيلخص ما ذكره العلماء في أهمية هذا الموضوع في كتابه مناهل العرفان ص136، فيقول :
أولا / هذا الموضوع كثير التعاريج متشعب المسالك طويل الذيل .
ثانيا /هو مثار خلاف شديد بين العلماء الأصوليين القدامى والمحدثين .
ثالثا / أن أعداء الإسلام كالملاحدة والمستشرقين والمبشرين قد اتخذوا من النسخ أسلحة مسمومة طعنوا بها في صدر الدين الحنيف، ونالوا من قدسية القرآن واجتهدوا في إقامة الحجج البراقة ونشروا شبهاتهم ونالوا من مطاعنهم حتى سحروا عقول بعض المنتسبين إلى العلم من المسلمين فجحدوا وقوع النسخ .
رابعا / أن إثبات النسخ يكشف النقاب عن سير التشريع الإسلامي، ويطلع الإنسان على حكمة الله تعالى في تربية الخلق وسياسته للبشر وابتلائه للناس بتجديد الأحكام مما يدل بوضوح على أن محمدا، صلى الله عليه وسلم، النبي الأمي لا يمكن أن يكون مصدرا لمثل هذا القرآن، إنما هو تنـزيل من حكيم حميد .
خامسا / بمعرفة ذلك يهتدي الإنسان إلى صحيح الأحكام وينجو عن نسخ ما ليس بمنسوخ حين لا يجد التعارض بين الآيتين، لذا اعتنى السلف بهذه الناحية يحذقونها ويلفتون أنظار الناس إليها ويحملونهم عليها، انتهى بتصرف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق